إن عملية القيادة ووجود القائد هو موضوع مهم وضروري، فأهمية القائد هي أهمية أساسية في العالم. إذا قمنا بتعريف القيادة، فإن القيادة هي توجيه الأتباع (الذين يتبعون القائد) نحو هدف معين. أي يجب على القائد أن يمتلك القدرة على توجيه الأتباع نحو هدف معين، ونحن الآن نتكلم عن موضوع (أهمية تدريب القائد). لماذا يهمنا أن نقوم بتدريب وتطوير القائد؟ كيف ندرب قائداً؟!

عن (أهمية تدريب القائد) سنقوم بعرض نقطتين رئيسيتين وهما: الأولى/ كيف يتم تدريب القائد؟ الثانية/ الى أين يتجه مستقبل القيادة؟ في هذه المقالة سنشرح النقطة الأولى، وندع النقطة الثانية للمقالة المقبلة.

أولاً/ كيف يتم تدريب القائد؟

أحد أكبر مؤسسات الدراسات القيادية (Development Dimensions International)، وفي أحد مؤتمراتها السنوية تطرقت الى أهمية تدريب القائد، وتسائلت عن كيفية القيام بها؟ عن طريق التدريب أم بطريقة أخرى؟

في إحدى دراساتها والتي شاركت فيها أكثر من (2600) مؤسسة عالمية، كان من بينهم (1897) من مسؤولي الموارد البشرية (Human Resources).

ومجموع القادة في المستويات العليا والوسطى والسفلى كان (12423) قائدًا.

المؤسسات المشاركة في هذه الدراسة كانت من (74) دولة. تتحدث الدراسة عن أهمية تدريب القائد، وعن طريقة تهئة القائد، هل يكون عن طريق التدريب أم لا؟ وهل يمكن تهئتهم عن طريق الدورات أم لا؟

في إحدى بياناتها يظهر بأن:

الذين تلقوا التدريب، تدريبًا متميزًا قويًا، وقام بتدريبهم أناس ذوو خبرة ودراية في ذلك المجال، حيث تمكن (%81) منهم أن يدربوا قيادات جيدة عن طريق الدورات والحلقات الدراسية. هذه البيانات تبرهن أن التدريب العلمي والأكاديمي والمهني سبب رئيسيي وفعال في عملية تهئة القائد.

والسبب في ذلك هو أنه في التدريب يمكنك العمل والتركيز على عدة جوانب، منها جانب الاعتقاد، لأنك في الدورات تعمل على تغيير اعتقاد الشخص، ليس كما يحصل في الندوات، حيث تقوم باعطاء معلومات فقط. وكمثال، فعندنا في مشروع (بريارةكانم – قراراتي) أكثر المشاركين تتغيير طريقة تفكيرهم نحو الأشياء، ويوجد منهم من لا يتغيير، فالأمر ليس بأيدينا، فربما لا يريد المشارك أن يتغيير، أو لأي سبب آخر. ما أود توضيحه هو أن الخطأ أو التقصير ليس في التدريب نفسه، بل في المدرب، أو المتدرب، أو منهج التدريب، فيمكن لأي منهم أن يكون سببًا في فشل التدريب، بنسبة معينة.

رغم هذه الأسباب، لا يزال %73 منهم يقولون: حصلنا على نتائج جيدة جدًا عن طريق الدورات المتواصلة، رغم ضعف مستوى الدورات، أي رغم أن التدريب لم يكن جيدًا بما يكفي، ولكنهم تمكنوا من إعداد قادة فعالين، بسبب الدورات المستمرة.

وتقول %68 من المؤسسات المشاركة في هذه الدراسة: لقد تمكنا من صناعة القائد عن طريق (إعطاء المشاريع)، فمثال: نحن في مشروع (بريارةكانم_قراراتي) بعد تخرج المشاركين، لدينا مشاريع قمنا بإعطاء المشاريع لبعضهم، وبعضهم الآخر لديهم مشاريعهم الخاصة، ويأتون إلينا للاستشارة، وهذا يصنع القائد! لأنك عندما تدير مشروعًا ما، يجب أن تعتني بالفكرة، وأن تعتني بالأشخاص الموجودين، يجب أن توفر له المال، الإدارة تتطلب مراعات الأتباع، فكل هؤلاء الناس الموجودين معك يجب أن تعلم كيف تتعامل معهم.

وتقول نسبة %43 من المؤسسات: تمكنا من بناء القادة لمؤسساتنا عن طريق دورات الأونلاين (الدورات المسجلة المعطاة للأشخاص).

ما أود قوله فيما توصلت إليه هذه الدراسة هو إننا يمكننا أن نصنع القادة عن طريق التدريب، لذا دعوا الذين يقولون (لا نستطيع)، إنما يمكننا صنع ذلك القائد فقط عندما يريد هو، ولذلك فقد تبين لنا أننا يمكننا صناعة القادة عن طريق التدريب.

هنا يأتي السؤال: لماذا يجب على الشباب أن يتولوا أمر القيادة؟

من الأهمية بمكان أن يتولى الشباب القيادة، وذلك لعدة أسباب، منها:

  1. في القرن الواحد والعشرين، القرن المليء بالمعلومات، المليء بالحركات العجيبة والملفتة للنظر، يتعين علينا فهم الأوضاع فيه، ويمكن لشباب زماننا أن يفهموها لأنهم يعيشون فيه، أما لشخص في السبعين من عمره يحتاج الى وقت أكثر لفهمه، لذا فالشباب يفهمونه بسهولة أكثر، لأنهم في عصر تطور التكنلوجيا و يفهمون لغة التكنلوجيا، فسيكون من الأسهل عليهم أن يتمكنوا من قيادة قرن الواحد والعشرين.
  2. قدرات الشاب أكثر، يملك قدرة ذهنية سريعة، وقوة جسدية جيدة، وفي نفس الوقت لديه ما يحتاجه من المعلومات والمعرفة التي يمكنه الحصول عليها بسهولة، وكذلك الحصول على التجربة أيضًا، وهذا من خلال الاستفادة من المؤسسات العالمية الموجودة في مختلف مجالات القيادة.
  3. نحتاج الى القادة الشباب، لأننا لسنا راضين عن حياتنا ونريد أن نغير حياتنا الى الأفضل، ونطور بلدنا، فالقيادة ليست أن تجلس وتأمر، فهذا لا يليق بالقائد الناجح، فالقائد الناجح مخلص لمحيطه أينما كان، مخلص للرسالة التي يريد إيصالها، وكذلك للمكان والمجموعة الموجودة معه، القائد لا يقول (لمَن أفعله ؟!)، بل يقول: (يجب أن أفعله لأنه مسؤوليتي!) .
  4. حتى لا نتأخر عن ركب التقدم العالمي الزاحف، هذه الحملة الضخمة الموجودة في العالم، والتي هي (تكنلوجيا المعلومات، الذكاء الاصطناعي، science neuro .. الخ).

وأحد أهم الاسئلة الذي يجب أن نطرحه هو: من هو القائد الشاب الذي نريد إعداده؟

توجد معايير عدة يجب أن نستخدمها في صناعة الشاب القائد، من هو القائد الشاب الذي نريد إعداده؟ في أحد مشاريعنا الذي نعمل عليه حاليًا مع الأستاذ الدكتور طارق السويدان، وبعض الشباب الكرد، والذي هو بناء منصة لإعداد القادة، وسيكون اسم المشروع (الرواد)، وقد وضعنا عدة معايير، وهي:

  • يجب أن يكون القائد الشاب الذي نريد إعداده قائدًا بحق، بحيث يكون إيمانه ويقينه بالله تعالى منطلقًا لأعماله، وأن يؤمن بما يقوم به.
  • إذن يجب أن يكون مؤمنًا بما يفعله وموقنًا بأن الله يساعده، ويكون صاحب نية حسنة.
  • أن يتعاطف مع محيطه، مع نفسه وأسرته، ويحافظ على علاقاته العاطفية، لا نريد شابًا قد أهمل حياته الشخصية وأسرته غير راضين عنه، ثم يأتي إلينا يتكلم ويدير المشاريع، لماذا؟ لأن الحياة الناجحة تتكلب وجود التوازن. إذن يجب أن تراعي ذلك التوازن ولا تدعه يختل.
  • من ناحية التفكير، يجب أن يركز على عمله، فمثلاً يوجد شخص يريد أن يدير عشرات المشاريع بنفس الوقت، وهذا لا يمكن!.
  • يجب أن يركز على مجال واحد، ويقوي نفسه فيه، ولكن بشرط أن لا يخل بالتوازن الذي تكلمنا عنه.
  • إذن فالشاب الذي نريد إعداده، يجب أن يكون ذا تركيز جيد في أعماله، وذا تفكير حسن وجيد، لا أن يكره (العرب، الترك، وبعض الأكراد). نحن محاطون بعديد من القوميات والشعوب، يوجد منهم الحسن والسيء، لذا يجب أن يكون ذا تفكير جيد، (ولهذا لدينا مشروعان، أحدهما متوفر، وهو مجموعة من الدورات والندوات والكتب التي يجب أن تقرأها وتتابعها لتتمكن من معرفة نفسك وتطوير قدراتك أكثر، ووضعناها بطريقة سهلة، في جداول، إذا نقرت عليه يأخذك فورًا للدورات والكتب والندوات، ويمكنك المشاركة من خلال هذا الرابط Untitled 1 | Training Academy (kurdta.com) .
  • والمشروع الثاني عبارة عن مشروع فكري، والذي بأذن الله سيتوفر قريبًا.
  • يجب أن يكون شخصًا نشطًا لا كسولاً، أي كسل (جسدي، أو فكري)، بحيث لا يرغب في التحرك أو القراءة. الذين يصلون الى القمة هم الذين يتعبون مع أنفسهم ويخدمونها.
  • مساهم حياتيًا، أي يجب أن يكون لديه ما يقدمه لبيئته، ولا يكون شخصًا عاديًا لا أحد يعلم سبب وجوده وما هو مهمته؟

إذن هذا الشاب الذي نريده، هو الذي لديه هذه المميزات الخمسة، ولبناء هذه المميزات نحتاج الى سلسلة من القراءة والمتابعة. قد يقول قائل: لم كل هذه التعقيدات؟! لم يكن هناك أية دورة أو قراءة في السبق، وتمكنوا من صنع القادة أيضاً!. الجواب بكل بساطة هو أنّ الحياة حينها كانت أسهل بكثير من الآن. اذا قارنّا العلم في التسعينات مع الآن، نستطيع أن نقول بأن العلم تقدم عشرين ضعفًا مقارنة بالتسعينات، لنأخذ علم النفس كمثال، فقد تم صنع عدد هائل من الأدوية في هذه السنوات والتي هي ثلاثين سنة تقريبًا، حيث تم الاعتراف بمعظم الفحوصات، ووجدت الكثير من الحلول الجديدة، بحيث لو قارنّا هذه الثلاثين سنة مع سنة (1851) عندما بدأ (كريبلين) مع (شنايدر)، فإن الاختراعات في علم النفس من (1850) الى (1990) أي ما يعادل (140) سنة كانت أضعافًا مضاعفة، وإذا قمنا بمقارنة هذه الـ (140) سنة بتلك الـ (30) سنة، فإن التطورات الحاصلة في هذه الثلاثين سنة هي ثلاثة الى أربعة أضعاف التطورات الحاصلة في الـ140 سنة، ومستمرة في التقدم، لذا فيجب علينا، نحن الشباب، أن نعد ونبني أنفسنا لهذه المهمة، ونعرف ما نحتاجه لها. إذن لقد عرفنا أن القيادة مهمة، وعرفنا مميزات القائد الشاب. الآن يجب أن نعلم كيف نعده؟! أولاً علينا أن نعلم أن القيادة عمل، ليست كلامًا ونظريات فقط، وهذا لا يعني أن لا تقرأ عنها، لا.. بل عليك أن تقرأ، والقيادة اسم على مسمى، يجب أن تقود، ولتكون قائدًا جيدًا يجب أن تريد أن تكون قائدًا، لتصبح قائدًا تحتاج أن تهيأ له عقلك، وتحضر له قلبك، ليتحمل الطريق، لأن الطريق مليء بالآلام، مليء بكلام الناس، مليء بالخسارة والضعف المادي والمعرفي.

كي نعد شابًا للقيادة، نحتاج الى عدة أشياء:

يجب أن يشارك في دورة في الحد الأدني، لأن الأبحاث تبين بكل وضوح تأثير الدورات التدريبية في إعداد القائد، كمثال يمكنك الانتفاع ببعض دورات هذه الشخصيات المذكورة، على مستوى العالم:

John Maxwell، أو كتاب (times urbulent in managing) لـ( Peter Drucker )

أو قراءة كتب (sinek Simon)، مثلاً كتابه (Start with why) وكتابه الآخر (last eat leaders).

و باللغة العربية توجد كتب ودورات الأستاذ (د.طارق السويدان) المفيدة جدًا.

وعلى مستوى (كردستان) لدينا مشروع (برياره كانم – قراراتي) يمكنكم الاستفادة منه.

إذن فالقيادة عمل،عليك أن تعمل، وإلا فتجميع المعلومات لا يكفي وحده، المعلومات تُنسى عادة.

إحدى الطرق الأخرى هي العمل مع قائد ناجح لديه قدرة قيادية، ولكن كن حذرًا واعمل بجد، فإنه يوجد أشخاص يلحُّون على العمل معك، ولكن عندما تعطهم مهمة في مشروع ما، وتتابع أعمالهم بعد فترة، تجد أن بعضهم يتقدمون في عملهم، ولكن بعضهم الآخر يتكاسلون، يتغيرون ويظنون أنه لولاهم لفشل العمل، وهذا خطأ، خصوصًا إن كنت تعمل مع قائد بارع، لأن القائد البارع يعلم جيدًا إذا فشلت هذه الخطوة ماذا يجب عليه فعله.

بواسطة: د. زانا أحمد قصاب

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن الرواد