يتوقف الرضا الوظيفي على الحاجات التي يرغب الفرد في إشباعها خلال العمل، ممّا يحقق له الشعور بالارتياح، فَرِضا الفرد هو عنصر بالغ الأهمية لتفجير الطاقات الابتكارية لديه وبالتالي تحقيق الإبداع، وهو المحرك الأساسي لدفع الأفراد لأداء العمل بجدية مما يؤدي إلى زيادة فرص النجاح والتقدم والمردودية في النتائج التربوية.
رضا وظيفي، باعتباره حالة نفسية، يعبر عن بعدين أساسين: بعد يعبر عن درجة إحساس الأستاذ أو العامل بالسعادة والارتياح مع العمل ومع بيئة العمل، وبعد يعبر عن مواقف واتجاهات الأستاذ/ العامل تجاه الوظيفة أي عن ذلك الإدراك الحسي للوظيفة المستندة على عدة عوامل منها الاشراف والتحفيز وممارسة السلطة وآليات التواصل وغيره. وسأركز في مبحثي هذا على عامل التحفيز ودوره في الرفع من منسوب الرضا الوظيفي وتجنب مشاعر الإحباط، التي قد تعطي نتائج سلبية جدا تنعكس على نفسية الفرد وبالتالي على أداء المؤسسة.
فما هي الأسس العلمية لعملية التحفيز داخل المؤسسة التعليمية؟ وما تمظهراتها الإجرائية؟
أولا: الأسس العلمية لعملية التحفيز داخل المؤسسة التعليمية
من المعروف أن الإنسان لا يعمل بكل طاقته في الظروف العادية لكن بالمقابل قد يبذل جهدا أكبر حالة خلق بيئة عمل معنوية ومادية مشجعة، ومن هنا يظهر دور المدبر الريادي في خلق هذه البيئة التي تدفع الأفراد نحو العمل بحماس وشعور بالمسؤولية والولاء وروح الفريق، فالمدير يجب أن تكون لديه دراية ورؤية ومعرفة كافية عن حاجيات وميولات واتجاهات ومواقف الأساتذة والأستاذات عندما يريد أن يدفعهم ويحثهم إلى العمل والإنتاج أكثر، بمعنى تحفيزهم نحو العمل بجد ونشاط، فتحسين وزيادة العوامل المحفزة يزيد حسب نظرية العاملين من الرضا الوظيفي أي أن الرضا الوظيفي يتأثر بعوامل التحفيز. فما هو التحفيز إذن؟ وكيف يمكن للمدير أن يحفز الأطر العاملة بالمؤسسة؟
التحفيز في الإدارة التربوية جانب من أهم الجوانب ومهمة من أكبر وأصعب مهام المدبر، وهو ممارسة تدبيرية واعية تهدف للتأثير على الأطر التربوية من خلال تحريك الدوافع والرغبات والحاجات بغرض إشباعها وجعلهم مستعدين لتقديم أفضل ما لديهم لتحقيق أهداف المؤسسة. وقد ذهب برلسون وستاينز إلى تعريف التحفيز بأنه: "دفع الفرد لاتخاذ سلوك معين أو إيقافه أو تغيير مساره". أي بهدف تدعيم السلوك الإيجابي من جانب الفرد وتشجيعه على المواصلة والاستمرار في العمل أو بهدف ثنيه عن السلوك السلبي وإقناعه بالعدول عنه والتحول إلى ما يحقق مطالب العمل الجيد. فأهميته تكمن إذن في:
- إشباع حاجات الأفراد المادية والمعنوية. نظرية ماسلو.
- تحسين مستوى الرضا لدى الأفراد. نظرية العاملين.
- إيجاد علاقات اجتماعية تعاونية بين الأفراد.
- خلق جو تسوده الثقة المتبادلة بين المدبر والأطر العاملة معه مما يؤدي إلى تقليل النزاعات والصراعات. كما أن التحفيز نوعان داخلي وخارجي، وسأركز هنا على التحفيز الداخلي/ الذاتي للمدير المعني بممارسة السلطة والإشراف والقيام بعملية التحفيز الخارجي للأطر العاملة معه، فهو محتاج إلى تحفيز ذاتي من خلال تعديل دائم للسلوك ومن خلال التحكم في الذات والبقاء في حالة من النشاط والإيجابية تجاه الآخرين (عبر التحاور مع الذات، الاستماع للموسيقى، الاسترخاء...). حيث أن التحفيز الذاتي هو السبيل الوحيد للتمكن من القيام بعملية تحفيز الآخرين.
ثانيا: الخطوات الإجرائية لتحفيز العاملين داخل المؤسسة
ولتحفيز العاملين داخل المؤسسة إجرائيا لابد من:
القيام بتشخيص دقيق لوضع المؤسسة (مجال قروي/ حضري/ شبه حضري، الخصوصيات المحلية، الظروف الاجتماعية...) ومعرفة ودراسة دقيقة لسلوكات الأفراد ودوافعهم وحاجياتهم وميولاتهم الشخصية، وقد يكون ذلك انطلاقا من دراسة الملفات الشخصية للموظفين داخل المؤسسة أو عبر الملاحظة بالمشاركة أو المقابلات البيفردية إن أمكن ذلك. الاستماع الجيد للموظفين: لا بد من التركيز على التواصل مع الأفراد والإحساس بمشاعرهم وتوجهاتهم واحساس كل واحد منهم بمكانته وأهميته داخل المؤسسة، ولذلك من المهم التركيز على الإنصات الجيد، فعندما نشعرهم بأننا نعطيهم من وقتنا وتفكيرنا تزيد ثقتهم بنا. إشراك جميع الأطر العاملة في وضع وتخطيط أهداف المؤسسة: فمشاركة الفرد في وضع الأهداف سيزيد من دافعيته وانخراطه في تحقيق هذه الأهداف. الحرص على الطابع الإنساني في التعامل مع الموظفين والتلاميذ، إذ يتحتم هنا معاملة كل فرد على أنه إنسان يجب احترامه وتقديره. المدح والثناء والتنويه بالأستاذ الذي يستحق المدح، ويكون ذلك بشكل بيشخصي أو أمام الجميع، فمثلا يمكن تقديم لأستاذ انخرط في إنجاح نشاط ما شهادة تقديرية تلائم النشاط أو المناسبة. عدم مؤاخذة الأفراد بأخطائهم، والعمل على تصويبها وتوجيه الخطأ، إذ كيف يمكن لأستاذ مثلا يوبخ جراء خطأ بسيط، ويطالب بتقبل أخطاء المتعلمين على اعتبار أن الخطأ هو منطلق وبداية التعلم. التركيز على الأعمال التي يؤديها الأفراد بشكل جيد: فقد أثبتت الأبحاث أن التركيز على الإيجابيات والأعمال الجيدة يزيد من الإنتاجية والفاعلية لدى الأفراد أكثر من التركيز على السلبيات. التحفيز المادي: أي منح النقطة المهنية الجيدة التي تتيح الترقي السريع للموظف الذي يبدي انخراطا في الرقي بأداء المؤسسة. استخدام الحوافز التي ترقى بالحياة والحاجيات النفسية والاجتماعية كالتعاطف والتآلف والمودة، فعلى المدبر مثلا ألا يغفل التهنئة خلال المناسبات والأعياد لما لها من وقع إيجابي في النفوس، كما أن المدبر مطالب أيضا بإبداء تعاطفه خلال مرور الموظف بحالات صعبة – مرض أو موت لقدر الله تعالى –. لما لا تشجيع العاملين داخل المؤسسة على خلق صندوق خاص بالمؤسسة يخصص لتقديم دعم مادي للموظف الذي يقع في ضائقة مادية ويحتاج دعما ماليا. وكذلك يمكن اللجوء في بعض الحالات للعقاب وممارسة السلطة بحزم حيث يكون ذلك حافزا لثني الفرد على سلوك معين، فمثلا: إتباع الإجراءات القانونية في حالة أستاذ كثير التغيب، قد يشكل بالنسبة إليه حافزا يدفعه إلى التخلي عن هكذا سلوك. هي إذن مجموعة من العمليات ذات البعد السيكولوجي والاجتماعي والتي يمكن اعتبارها أسسا علمية ذات بعد اجرائي عملي من شأنها تحفيز العاملين عبر تلبية رغباتهم وإشباع حاجياتهم واحساسهم بالتقدير والاحترام وبالتالي تحقيق لديهم ذلك الرضا الوظيفي الضامن لتحسين الأداء وتطويره.
ثالثا: الصعوبات التي تمنع من تطويع دوافع العاملين بالمؤسسة
تعرف القيادة على أنها قدرة الفرد على التأثير في شخص أو جماعة، وتوجيههم وإرشادهم لنيل تعاونهم وحفزهم للعمل بأعلى درجة من الإتقان والتفاني في العمل بهدف تجويد الأداء والرفع من المردودية الداخلية للمؤسسة التعليمية. فهي عملية مشتركة بين القائد والمرؤوسين من أجل الوصول إلى أهداف مشتركة متفق على تنفيذها من قبل كل منهما. وهي تعتمد على أسس سيكولوجية تساعد القائد أولا على فهم شخصيته وضبطها عبر مفهوم تعديل السلوك ثم فهم شخصية الأطر العاملين معه من حيث مواقفهم، توجهاتهم، تمثلاتهم، حاجياتهم وميولاتهم قصد إشباعها وتحفيزها، لأن من شأن ذلك كما تم ذكره أن يولد الرضا الوظيفي لديهم ومنه تحقيق الأهداف المرسومة للمؤسسة.
عملية الاهتمام هذه قد تصادف قطعا مجموعة من الصعوبات تحول، حالة عدم فهمها وادراكها، دون تطويع دوافع العاملين واستثمارها بشكل إيجابي لتحقيق الأهداف المنشودة بالمؤسسة التعليمية. فكيف يمكن للقائد أن يفهم شخصيته ويدعمها ويحفزها ويفهم كذلك شخصية العاملين معه قصد تطويع دوافعهم وتمثلاتهم؟ وما هي الصعوبات التي تمنع هذا التطويع بناء على التجربة الميدانية؟ ثم كيف يمكن تذليل تلك الصعوبات لتهيئة بيئة مناسبة للعمل المثمر؟
يمكن تعريف الشخصية على أنها ذلك النظام الكامل من الميولات والاستعدادات الجسمية والعقلية والنفسية الثابتة نسبياً والتي تميز الفرد عن الآخرين في استخدام أساليب خاصة في التكيف مع البيئة. وحسب نظرية سمات الشخصية فيمكن تقسيمها إلى:
-
سمات عقلية أو معرفية: مثل الذكاء والقدرات العقلية والمعارف العامة وفكرة الفرد عن نفسه وإدراكه للناس…
-
سمات وجدانية وانفعالية: مثل الحالة المزاجية، الاستقرار الانفعالي، ضبط النفس، الغضب، سرعة الاهتياج..
-
سمات دافعية: كالرغبات والميول والاتجاهات والعواطف والمعتقدات والقيم..
-
سمات اجتماعية: الاشتراك في النشاط الاجتماعي، القيم الاجتماعية، الموقف من السلطة، الميل الي السيطرة والخضوع، التعاون والتنافس، الصدق، الكذب..
فباعتبار هذا الزخم وهذا التنوع في السيمات والتي قد تتقاطع وقد تتباين من شخص إلى أخر فإن المدبر مطالب قبل غيره بضرورة فهم شخصيته عبر إدراك مفهوم الذات باعتباره أساس فهم الشخصية عن طريق البحث في كيفية تكوينه وتعديله أي تعديل سلوكاته باستمرار وذلك من خلال التحكم في عواطفه ودوافعه الشخصية والتحكم في المؤثرات الخارجية وأهمها تجاهل الآراء السلبية، كما يتوجب عليه تقديره لذاته تقديرا واعيا موضوعيا عبر الإحساس بقيمته الذاتية وقبوله لجسده...
إن فهم المدير لذاته يسهل عليه كثيرا فهم الآخرين عبر مدخل التنوع في السيمات وبالتالي السعي إلى البحث عن المشترك من أجل اقناع الآخرين والتأثير فيهم بشكل ايجابي، وهنا نستحضر تعريف Allport GORDON الذي يركز على "النظر إلى الشخصية الإنسانية باعتبارها نظاما مفتوحا يؤثر ويتأثر بالبيئة المحيطة ويتفاعل معها"، فالمدير باعتباره فرد من فريق العاملين بالمؤسسة قد يؤثر ويتأثر في الوقت نفسه بدوافع العاملين معه، ولكي يستطيع تطويع هذه الدوافع لصالح المؤسسة عليه أولا فهم الصعوبات التي قد تحول دون ذلك. وأرى أن أهم تلك الصعوبات تتجلى في:
-
إسقاط الأسلوب الخاص والقناعات الشخصية على الآخرين أي اعتبار أن الجميع يجب أن يفكر كما يفكر القائد.
-
عدم الإدراك بتنوع حاجيات وميولات ودوافع الأفراد والمجموعات.
-
عدم القدرة على فصل المشاعر الشخصية عن مجريات التدبير اليومي للمؤسسة.
-
التماهي العاطفي لحل المشكلات الطارئة.
-
التساهل في تطبيق المدخل القانوني عندما تستدعي الضرورة ذلك.
-
ضعف الإلمام بتقنيات التواصل واعتماد آلية واحدة ووحيدة في التواصل مع الأفراد والمجموعات.
هذه أمثلة لمجموعة من الصعوبات التي قد تمنع المدبر من تطويع دوافع ورغبات العاملين بالمؤسسة من مثل الغياب المتكرر، كثرة التأخرات، عدم الاكتراث بالقرارات المتخذة، عدم المشاركة في الأنشطة المندمجة للمؤسسة، كثرة النزاعات...
رابعا: ممارسات لابد منها لتطوير الدوافع؛
ولتفادي تلك الصعوبات أو تجاوزها إن وجدت وسط بيئة، أغلب الموظفين بها ينحدرون من مناطق مختلفة ومن ثقافات متنوعة لهم دوافع وحاجيات متباينة أحيانا، يجب على المدبر التحلي بمجموعة من الصفات والقيام بمجموعة من الممارسات:
- الاهتمام بالشكل الخارجي: اللباس، طريقة الوقوف، طريقة الجلوس...
- السلوك والأفعال: طريقة الكلام، الإيماءات، التحكم في نبرة الصوت، الكفاءة في اختيار الكلام المناسب...
- الصبر، الثبات الانفعالي، المثابرة، تحمل المسؤولية..
- استيعاب حقيقة أن الأستاذ كائن بشري تحكمه دوافع وميولات وله تمثلات خاصة ويحتاج إلى محفزات تتغير من وقت إلى آخر.
- تهيئة بيئة المؤسسة لتستجيب للشروط الذاتية والموضوعية للعمل: نظافة الأقسام، جمالية الفضاء، المساحات الخضراء...
- توفير المعلومات اللازمة في الوقت المناسب.
- تشجيع المبادرات والتنويه بها.
- إشراك الجميع في بلورة مشاريع المؤسسة وتوزيع المهام والمسؤوليات حسب المؤهلات والقدرات.
- توضيح المهمة من خلال التواصل الفعال، التواصل السيكولوجي..
- تشجيع حرية التعبير عن الرأي داخل المؤسسة وتشجيع النقد البناء.
- تقديم الثناء والمدح لمن يستحق.
- اتقان مهارات ادارة النزاع بالاعتماد أحيانا على لجنة الحكماء للحيلولة دون تطور الصراعات الداخلية.
- وجوب عدم إفشاء المعلومات السرية الخاصة بالمجموعة.
- ممارسة السلطة إذا تطلب الأمر ذلك.
إن مسألة تطويع وضبط دوافع المشتغلين تكتسي أهمية قصوى في تهيئة البيئة الملائمة للاشتغال، وبلوغ هذا الهدف لن يتم دون الفهم العلمي للأبعاد السيكولوجية لشخصية العاملين والإقرار الضمني والعلني بالتنوع والاختلاف بين أعضاء المجموعة، بل واعتبار هذا التنوع مصدر غنى للتغلب على الوضعيات المستجدة في إطار العمل التعاوني والتشاركي.
خلاصة
مهمة القائد إذن مزدوجة تجمع بين الفهم والاقتناع السيكولوجي بالمهمة التي يريد القيام بها وبين الاهتمام بالعلاقات السيكوسوسيولوجية التي تجمعه بالأشخاص العاملين معه والتي من دونهم يستحيل تحقيق هذه المهمة. وباستحضار أن الأساتذة كيانات إنسانية لهم دوافع وميولات وحاجيات مختلفة وأحيانا متباينة فإن المدبر مدعو وبإلحاح لفهمها والتعامل معها بشكل متفرد قصد حفزها تحفيزا يشعرها بالرضا الوظيفي داخل المؤسسة.
المصادر
- برس، يورك. ( 2003 ). علّم نفسك بالطريقة المثلى مھارات الإدارة، ترجمة الشركة المصرية العالمية للنشر، مكتبة لبنان ناشرون
- محمد قاسم القريوتي، السلوك التنظيمي: دراسة السلوك الفردي والجماعي في المنظمات المختلفة عمان دار الشروق الطبعة الرابعة 2003
- زهران، حامد عبد السلام التوجيه والإرشاد النفسي الطبعة الرابعة القاهرة 2005
- ALLPORT GW الشخصية: تفسير نفسي ، نيويورك: هولت ونستون 1937
بواسطة: عبداللطيف جندي
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن الرواد