عند الحديث عن الشعوب العربية والمسلمة فواقع الحال يثبت أننا نعيش أنماطا مختلفة ومتفاوتة من الصراعات، ونعيش أزمة نظام عميقة بدرجات متفاوتة بين الدول، فتتنوع هذه الأزمات بين السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
سنحاول من خلال هذا المقال البحث في مفهوم النظام وأسباب الأزمات التي تعيشها مختلف الأنظمة ومحاولة الإجابة على السؤال التالي:
إلى أي مدى تؤثر أزمة السلوك على النظام؟ وهل نستطيع أن نصل إلى حلول جذرية لهذه الأزمات؟
الإسلام دينُ نظام أساسه العقيدة الصحيحة
بداية يجدر بنا تعريف النظام: هو مجموعة الخطوات المترابطة المتآلفة التي يتم من خلالها تدبير الأمور، وتشييدها بطريقة واضحة.
ويمكننا أن نقول أن النظام هو مجموعة من القواعد والأجهزة المتناسقة المترابطة فيما بينها، تُبين نظامَ الحكمِ ووسائل إسناد السلطة وأهدافها وطبيعتها ومركز الفرد فيها، وضماناته قبلها، كما تحدد عناصر القوى المختلفة التي تسيطر على الجماعة وكيفية تفاعلها مع بعضها، والدور الذي تقوم به كل منها.
على الرغم من أن مصطلح النظام يستخدم لوصف النظام السياسي ونظام الحكم، لكنه مصطلح واسع وموجود في كل مجالات الحياة الاجتماعية وحتى الاقتصادية، فنحن في روتيننا اليومي نحتاج لخطوات محددة مسبقا ندير من خلالها أمور حياتنا ونحدد أهدافنا ومقاصدنا وتتمثل في النظام.
إن الإسلام دين النظام جاء ليحكم الحياة من جميع نواحيها، وهو كذلك دين التناسق الذي جاء ليهتم بجوانب الحياة باعتدال، ومن ينظر إلى توجيهات الإسلام وتشريعاته وأحكامه يجد أنه دين منظّمٌ في جميع شؤونه، يأمر بالنظام ويهتم به في كل جوانب الحياة، إنه دينُ النظام لا دينُ الفوضى.
وإذا قلنا إن كل نظام له أساس يقوم عليه، والنظام الاجتماعي في الإسلام أساسه الأول هو العقيدة الصحيحة لأنها هي الموجه الأساسي لأفكار الإنسان وسلوكه وسائر تصرفاته.
والعقيدة الصحيحة تتلخص في: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، فهذه الأمور الستة هي أصول العقيدة الصحيحة وهي التي تتحكم في سلوك الفرد داخل الجماعة
وبما أن النظام هو المنهج الذي يسير عليه المجتمع وهذا الأخير ما هو إلا عصبة أو مجموعة من الأفراد فإنه بالضرورة سيؤثر سلوك هؤلاء الأفراد على المجتمع وعلى النظام وسيحددون شكله وشكل العلاقات الاجتماعية ومدى الانضباط.
ثورة أخلاقية وقيادة رشيدة..هذا ما نحتاجه لعلاج أزمات السلوك والنظام
في كثير من الحالات تعاني الأنظمة الاجتماعية والسياسية من أزمات متنوعة، كانتشار العنف والفشل الاقتصادي وأزمات الأخلاق والفساد الإداري ...
لفظ الأزمة يدل على الشيء الذي لا يسير على أحسن ما يرام، وتعتبر الأزمات جزء من واقع المجتمع، والأزمات التي تأخذ مظاهر ثقافية أو اقتصادية أو سياسية، فهي في العمق وفي الحقيقة أزمات مجتمعية.
وتمتلك الأزمات التي تمس النظام الاجتماعي خاصية تأثير "الدومينو"، حيث تتاولى السقطات وتؤثر الأزمة الاجتماعية في فشل باقي الأنظمة ومؤسسات الدولة. ونلاحظ بشكل كبير أن الوعي العربي عندما يتعلق الأمر بالتغيير وحل الازمات، ينحصر بشكل كبير في النظام السياسي وضرورة تغيير النظام بشكل راديكالي ويتم تجاهل كل أسباب ومقومات الفشل الأخرى.
ففي الحقيقة، الأزمات في عمقها تتعلق بالمجتمع والأفراد وطبيعة التفاعلات، وأن التعامل مع الأزمات بوصفها أزمات سياسية في المقام الأول يؤدي إلى عدم قدرة المجتمعات على النظر إلى أزماتها من زوايا متعددة.
السلوك الإنساني يتمثل في سلسلة متعاقبة من الأفعال وردود الأفعال التي تصدر عن الإنسان في محاولاته المستمرة لتحقيق أهدافه وإشباع رغباته المتطورة والمتغيرة، ويقول د. طارق السويدان "إن السلوك هو مدى تطابق الأقوال والأفعال مع القيم والمبادئ وهو الترجمة الحقيقية عن مدى تمكن القيم والمبادئ في الوجدان…"، وإن أهم ركائز الحضارة هي السلوك القويم وهو نتاج منظومة أخلاقية وقيمية ثابتة وغياب السلوك القويم معناه فشل الحضارة وفشل النظام المجتمعي وحتى السياسي، لهذا تتمثل أزمة السلوك في غياب المبادئ والقيم عن أفعال الأفراد، حيث يتفنن الأشخاص في التعبير عن إيمانهم وفي مدح أفكارهم ومبادئهم ولكن حقيقة لا نلمسها في تصرفاتهم.
وأزمة السلوك تكون في ذهنيات الأفراد والجماعات الفاسدة، حين تصبح الأنانية بالنسبة لهم عقلانية والإحسان سذاجة والصدق والأمانة حماقة، عندما يفتقد الإنسان معنى الحياة الجماعية والعمل الجماعي، ويغيب التناسق بين تصرفاته الصحيحة والخاطئة ويفقد القدرة على التمييز فنحن أمام أزمة سلوك حادة.
وهذه الأزمة تقودنا مباشرة إلى أزمة في النظام واختلال التوازن بين مكونات المجتمع وتهاوي المبادئ والقيم على حساب انتشار أوسع للعنف بكل أنواعه والفساد والانحلال. ولحل هذه الأزمة نحتاج أن نحدث ثورة قيَمية أخلاقية تجسّد فيها معاني الإنسان والجماعة، وتكريس لروح الأخلاق الفاضلة والسلوكيات الحضارية الإنسانية.
وعلى الرغم من أن الإسلام جاء ليغرس فينا مكارم الاخلاق ويحل مشاكلنا النفسية والروحية، إلا أن روح الجماعة مفقودة في كثير المجتمعات العربية وتتجلى رُوحَ الجماعة في الإسلام بأوضح صورة من خلال العبادات التي أمرنا الله بها، وأفضل مثال الصلاة، حيث دعا الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث شتى إلى أن تؤدَّى جماعة، بالإضافة إلى فضل الإحسان والتآزر بين الافراد، ولكن ما نجده في الواقع أن دولنا حاليا تعيش أزمة نظام وأزمة سلوك.
كيف يقدم الإصلاح الهرمي حلا لأزمة النظام؟
تصدر منظمة الشفافية الدولية (Transparency International) تقريراً سنوياً حول الشفافية في بلدان العالم، والخارطة عادة تبين حجم انتشار الفساد المالي والإداري في بلادنا.
فإذا كنا نحن دعاة الحق فلماذا لا نمشي على الطريق الذي يحمينا من أزمات في الأخلاق والسلوك؟
عند الحديث عن أزمة السلوك فهي أزمة قادة أيضا وأزمة صناع قرار، فالقائد الذي يعاني من انحلال أخلاقي وغياب للمبادئ ستكون إدارته للمجتمعات فاشلة، والقائد الضعيف التابع لدول ومجتمعات أخرى، هو السبب في فشل كثير من المجتمعات.
أزمة النظام في العالم العربي هي أزمة ثنائية الاتجاه... من أعلى الهرم أزمة قيادة وفساد وظلم، ومن أسفل الهرم أزمة فرد ومواطن بلا مبادئ وضعيف.
إن الحديث عن حل الأزمة في المجتمع انطلاقا من ترشيد الأخلاق والسلوك دون الحديث عن إصلاح من أعلى الهرم يعتبر ظلما للفرد وتقليلا من حقوقه التي انتهكها كل صانع قرار فاسد.
إن قوام المجتمع مرتبط بتوازن البنيان وصلاح الأفراد المكونين لهذا المجتمع، وهذا عن طريق ترشيد سلوكهم فما السلوك الصحي إلا قوام المجتمع فإذا تفكك السلوك تفككت البنية المجتمعية. ولكن لا يمكن للفرد أن يقدم أي شيء للمجتمع في الوقت الذي لم يحضَ فيه بأدنى حقوقه الإنسانية والاجتماعية، إذا تحدثنا عن الإصلاح من أسفل الهرم فإن الخطوات ستكون حسب الترتيب التالي:
1- تنمية السلوك الفردي: ونجد أن المنهج القرآني يركز على أهم شيء لتحقيق التغيير الإيجابي الحقيقي والجذري ألا وهو الابتداء بعملية الإصلاح الذاتي، فيقول الله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ). ويكون هذا الإصلاح عن طريق اتباع العقيدة الصحيحة والثبات على القيم الإسلامية، وإن أحسن شيء من الممكن أن يقوم به الفرد هو أن يثبت صحة نواياه وأخلاقه انطلاقا من تصرفاته، فالسلوك السليم هو تطابق المبادئ والقيم مع التصرفات.
والسلوك السليم هذا لا يظهر إلا في حالة توفر قدر من الحاجات الإنسانية الضرورية، كالأكل والشرب وحاجات الإنسان من الأمن … فالوسط الذي يكون فيه الإنسان غير قادر على توفير قوته اليومي ولا يشعر بالأمن والسلام لن يستطيع الاهتمام بتهذيب نفسه وسلوكه.
2- تنمية السلوك الجماعي: فإن نهضة المجتمع تكون عن طريق التحول من الإرادة الفردية إلى الجماعية، والسلوك الجماعي يترجم في عمل الفريق الواحد الذي يكون مثل الدائرة الكهربائية المغلقة، لابد من تواصلها حتى تعمل، ولو انفصل منها جزء أو قطع لما تواصلت الدائرة ولتوقف عملها، وكل فرد في فريق العمل له قيمته التي لا يستغنى عنها مهما كان موقعه صغيرا أو كبيرا.
إذا إستطاع الإنسان أن يحقق قدرا من حاجاته الاجتماعية فسيكون قادرا على تقديم الكثير للمجتمع من حاجات اجتماعية متمثلة في (الانتماء / العلاقات المستقرة / العلاقات التعليمية…. )، وكلها تساهم في تعميق انتماء الفرد إلى المجتمع وزيادة فعاليته.
3- معالجة الأنظمة السياسية والاقتصادية: (وهي النقطة الأولى إذا بدأنا من أعلى الهرم)
حيث تعتبر الأزمات السياسية والاقتصادية والصراعات من أبرز الأسباب التي تثبط تطور المجتمعات وتؤدي إلى أزمات عميقة، وتعيش كل الدول العربية أزمات سياسية واقتصادية متفاوتة الحدة، وقد ساهمت هذه الأزمات في تعميق الفجوة بين أعلى الهرم وأسفل الهرم مما ساهم في تصعيد غضب الشعب، فالمواطن الذي لا يستطيع توفير لقمة عيشه، والذي لا يتمتع بأدنى حقوقه الإنسانية والاجتماعية لن يستطيع التفكير في تنمية مجتمعه وترشيد سلوكه، ولهذا فإن الرغبة في تحقيق قدر بسيط من التنمية الاجتماعية يجب أن يرافقه تحقيق رغبة أو حاجة إنسانية ملحة وضرورية.
ولكي نصل إلى فرد قادر على المشاركة الفعالة في المجتمع والمشاركة السياسية المؤثرة والمساهمة في تنمية الاقتصاد، يجب أن يصعد في كل درجات هرم الاحتياجات وينتقل إلى مرحلة التقدير وتحقيق الذات.
ولكن يبقى السؤال الحقيقي إلى أي مدى تعتبر الحلول السابقة الذكر فعالة في حل أزمة النظام في عالمنا العربي والإسلامي؟
المصادر
1- صالح عبدالله كامل/ الإسلام دين النظام لا دين الفوضى / جريدة المكرمة / 20 مارس 2016
2- الحسين الزاوي / أزمات المجتمعات ومطالب التغيير / صحيفة الخليج / 21 ديسمبر 2019
3- مقال فصام السلوك.. في أزمة الأخلاق وضياع القيم
بواسطة: شروق مستور
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن الرواد