لماذا الحديث عن التطوير القيادي؟

بعد عهود من القمع وانشاء اجيال تخاف من المبادرات المجتمعية، كان لابد من التركيز على عكس المسار والتوجه نحو اعداد قيادات تتخذ مبادرات على مستويات متعددة في المجتمع وان يشعر المواطنون بالمسؤولية والانتماء والمشاركة في البناء المجتمعي. ووجود أشخاص ومجموعات يتلف حولها الناس، تؤمن بها وتتبعها وتشارك معها في تحقيق اهدافها سنة حياتية. وبدلا من نترك الامور للتوافقات والقرارات الشخصية، فمن الافضل ان يكون لدينا اهتمام ودور في ايجاد واعداد وتطوير قيادات مهنية تساعد الاخرين وتساعد المجتمع المحلي والانساني بشكل عام لجعل الارض مكانا افضل للعيش بكرامة.

ماهي القيادة؟

كثير من الناس بامكانه ان يميز من هو القائد، الا انه لحد الان نحن لانملك تعريفا واحدا او قائمة مميزات معينة متفقا عليها للقائد. وهناك مدارس كثيرة حول القيادة لن نخوض في كثير من تفاصيلها في هذا المقام. ادناه مجموعة من التعاريف حول القيادة والقائد. تعاريف: انها تأثير شخصي متداخل تمارس في موقف محدد وتتضمن القيادة دائماً محاولات من جانب القائد (المؤثر) للتأثير على سلوك الاتباع (المتأثرين) ومن اجل اتباع موقف معين. إن القيادة هي عملية إلهام الأفراد ليقدموا أفضل ما لديهم لتحقيق النتائج المرجوة. وتتعلق بتوجيه الأفراد للتحرك في الاتجاه السليم, والحصول على التزامهم, وتحفيزهم لتحقيق أهدافهم. هو الشخص الذي يستطيع اقناع الناس بفعل مالايريدون فعله او انهم راغبون به الا انهم فعل شئ يتكاسلون عن فعله. القيادة تحدث عندما يحث شخصا ما اخرين ليعملوا نحو تحقيق اهداف مسبقة الاعداد. القائد هو ذلك الشخص الذي يجعل الاخرين يمضون نحو هدفهم بارادتهم ، بحماس وجهد واصرار. ان اول اعمال القائد هو تحديد رؤية للمنظمة، القيادة الفعالة هي القادرة على تحويل الرؤية الى حقيقة. المديرون يملكون مرؤوسين، القادة لديهم اتباع. ذلك النشاط الذي يمارسه الشخص للتأثير فى الناس ، وجعلهم يتعاونون لتحقيق بعض الأهداف التى يرغبون فى تحقيقها. أحد أشكال الهيمنة التى بموجبها يقبل التابعون طواعية التوجيه والرقابة من قبل شخص أخر. انا شخصيا اميل الى التعريف ادناه: القابلية على الهام، تحفيز، تمكين، تحريك ومساندة الناس الاخرين للعمل باتجاه اهداف متبادلة مسبق التخطيط لها.

فالواضح ان القائد يعتمد على التاثير الشخصي والنفوذ الشخصي في الاخرين وينطلق من ايمان الناس به نحو تحقيق الاهداف المشتركة.

هل القائد يولد أم يصنع؟

هناك جدل كثير في هذه المسالة بين المدارس المعنية في هذا المجال. بل ان الجدل موجود في كثير من الامور المشابهة وهل انها فطرة تولد مع الانسان او موهبة من الخالق؟ وهل هي جينات تورّث؟ ام انها صفات وممارسات وسلوكيات بالامكان اكتسابها بالمعرفة والتدريب؟! في نظرية السمات – وهي من اقدم النظريات في القيادة – هناك اعتقاد جازم ان القيادة مجموعة مواصفات وكاريزما تولد مع الانسان. لكن يبدو ان الدراسات الحديثة لديها رأي آخر. وهي تطرح سؤالا مهما جدا، فنحن لانميز الصفات القيادية الى ان يكبر الطفل وقد تبدو عليه صفات وممارسات قيادية، لكن هذا الطفل عاش سنوات الى ان ادركنا ذلك فيه ومن الممكن ان شخصيته بين المؤثر والاستجابة خلقت ملامح لشخصيته تلك، وليس من دليل انها انتقلت بالجينات! من جانب آخر فان التأريخ والواقع فيه الكثير من الامثلة والوقائع التي تثبت ان الانسان بامكانه ان يكتسب مهارات وصفات كثيرة ومنها المهارات والصفات القيادية، وحتى الكاريزما بتوجيه الارادة نحو ذلك المسار وبالتدريب والممارسة. من الممكن ان تكون مجموعة مواصفات او (منح ربانية) في صالح الفرد من مثل (الشكل المقبول – عائلة غنية او لديها مركز سياسي او ادبي جيد – فترة تاريخية مناسبة! الخ الخ)، مع ذلك هذه ليست ضمانات اكيدة، لانه من الممكن جدا ان تكون هذه الامور في صالحه ولايجيد استثمارها بسوء تقديراته او سوء قراراته! ومرة اخرى فان التاريخ والواقع يثبت ان الكثير من القيادات خرجت من رحم المعاناة والالم والعوز ولم يكن طريق القيادة والتاثير مفروشا لهم بالورود !

صفات القائد ومهاراته

عندما نتحدث عن الصفات القيادية فان القائمة تطول وتطول بكثير من هذه الصفات والمهارات اللامتناهية وكلها بالتأكيد مهمة. ومع ذلك فان الكثيرين ممن اصبحوا قادة واثروا في الناس وصنعوا التاريخ لم تكن لديهم كل هذه المواصفات والمهارات. فاذن هي خلطة صفات ومجموعة خيارات تاتي في ظروف معينة لتجعل من القائد قائدا مناسبا. والظاهر ان هناك علاقة قوية بين اطراف ثلاثة لتحقيق نجاح في عمل ما ( القيادة – الاتباع – الظروف). فالنسبة العالية لتواجد كل واحدة ومدى تناسبها مع الباقي هو الذي يضمن نسب نجاح عالية في العمل. فهي عملية توازن بين اضلع المثلث الثلاث، وليست مبنية فقط على ضلع واحد فقط. ومع تعدد الصفات فان القيادات بشكل مجمل:

  • يركّزون على المستقبل
  • يساهمون في تحقيق الإنجازات
  • يتركون تأثيراً إيجابياً على الآخرين

ومع ذلك فان الدراسات تشير الى ان 80% من الناجحين في ادارة مؤسساتهم واعمالهم كانوا يمتلكون صفة واحدة مميزة وهي (الذكاء الوجداني). ويعرف الذكاء الوجداني او الذكاء العاطفي Emotional Intelligence على انه: الذكاء الوجداني يشمل القدرة على إدراك الانفعالات بدقة، و تقييمها، و التعبير عنها، و القدرة على توليد الانفعالات، أو الوصول إليها عندما تيسر عملية التفكير، و القدرة على فهم الانفعال و المعرفة الوجدانية، و القدرة على تنظيم الانفعالات بما يعزز النمو الوجداني و العقلي. تكون قادرا على حث نفسك باستمرار في مواجهة الإحباطات والتحكم في النزوات وتأجيل إحساسك بإشباع النفس وإرضائها والقدرة على تنظيم حالتك النفسية ومنع الأسى أو الألم من شل قدرتك على التفكير وأن تكون قادرا على التعاطف والشعور بالأمل. في كتاب (القيادة المرتكزة على المبادئ) يقول (ستيفن كوفي) ان اهم صفات هؤلاء القادة هي:

  • أنهم يتعلمون باستمرار: القراءة, التدريب, الدورات, الاستماع.
  • أنهم يسارعون إلى تقديم الخدمات: ينظرون إلى الحياة كرسالة ومهمة لا كمهنة، إنهم يشعرون بالحمل الثقيل وبالمسؤولية.
  • أنهم يشعّون طاقة إيجابية: فالقائد مبتهج سعيد نشيط مشرق الوجه مبتسم هادئ لا يعرف العبوس والتقطيب إلا في موضعهما، متفائل إيجابي. وتمثل طاقته شحنة للضعيف ونزعاً لسلبية القوي.
  • أنهم يثقون بالآخرين: لا يبالغ القادة في رد الفعل تجاه التصرفات السلبية أو الضعف الإنساني، ويعلمون أن هناك فرقاً كبيراً بين الإمكانات والسلوك، فلدى الناس إمكانات غير مرئية للاعتماد عليها واتخاذ المسار السليم.
  • أنهم يعيشون حياة متوازنة: فهم نشيطون اجتماعياً، ومتميزون ثقافياً، ويتمتعون بصحة نفسية وجسدية طيبة، ويشعرون بقيمة أنفسهم ولا يقعون أسارى للألقاب والممتلكات، وهم أبعد ما يكونون عن المبالغة وعن تقسيم الأشياء إلى نقيضين، ويفرحون بإنجازات الآخرين، وإذا ما أخفقوا في عمل رأوا هذا الإخفاق بداية لنجاح آخر.
  • انهم يرون الحياة كمغامرة: ينبع الأمان لديهم من الداخل وليس من الخارج ولذا فهم سباقون للمبادرة تواقون للإبداع ويرون أحداث الحياة ولقاء الناس كأفضل فرصة للاستكشاف وكسب الخبرات الجديدة؛ إنهم رواد الحياة الغنية الثرية بالخبرات الجديدة.
  • أنهم متكاملون مع غيرهم: يتكاملون مع غيرهم ويحسنون أي وضع يدخلون فيه، ويعملون مع الآخرين بروح الفريق لسد النقص والاستفادة من الميزات، ولا يترددون في إيكال الأعمال إلى غيرهم بسبب مواطن القوة لديهم.
  • أنهم يدربون أنفسهم على تجديد الذات: يدربون أنفسهم على ممارسة الأبعاد الأربعة للشخصية الإنسانية: البدنية والعقلية والانفعالية والروحية. فهم يمارسون الرياضة والقراءة والكتابة والتفكير، ويتحلون بالصبر ويتدربون على فن الاستماع للآخرين مع المشاركة الوجدانية.

السلوك الذي يقدره الأفراد في القادة:

يحب الاتباع ان يروا القائد في صور ملهمة متعددة وان تستمر ثقتهم به. واعجبني مالخصه مركز التميز للمنظمات غير الحكومية فيما يلي:

  • إظهار الحماسة.
  • مساندة الأفراد الآخرين.
  • الاعتراف بالجهد الفردي.
  • الاستماع إلى أفكار ومشكلات الأفراد.
  • الالتزام بفعل ما يقول.
  • تشجيع فريق العمل.
  • تنمية الأفراد الآخرين.

بين القائد والمدير:

يعتقد الكثيرون ان القائد والمدير مصطلحات مترادفان. في الحقيقة انهما ليسا كذلك. وان كان هناك تلازم بين الاثنين الا ان هناك فروقا اساسية بين الاثنين. وحسب فريد فيدلر: فإن القائد هو الفرد في مجموعة والذي له مهمة توجيه وتنسيق النشاطات المناسبة للمهمة، أما المدير فهو الشخص الذي يقوم بدور محدد ضمن هيكل منظم. ووضعها اخرون بالشكل التالي:

  • القيادة تقوم أساساً على قدرة صاحبها على التأثير وهذا أمر قد لا يتوفر لدى صاحب الوظيفة الذي يمارس مسؤولية على غيره في البناء التنظيمي.
  • الشخص الذي لا نفوذ شخصي له قد يكون مديرا، ولكنه متى اكتسب النفوذ فمن المحتمل أن يتحول إلى القائد.
  • المدير يستمد قوته مما يملكه من سلطات، اما القائد فيستمدها من شخصيته وتاثيره.
  • المدير يعتمد على السلطة المفوضة إليه من أعلى في تمرير القرارات وهي تنبع من مباشرته لوظيفته فيخضع له المرؤوسون سواء بالاختيار أو بالإجبار، أما القائد فيستند في نفوذه على قوة شخصيته وتأثيرها على الاتباع فيطيعون أوامره عن اقتناع ورضا.

فالقيادات تركز على التاثير الاجتماعي على الاشخاص وعلى تقبلهم لهذا التاثير. والناس هم مصدر السلطة والقوة. كما وان التفاعل بين الاتباع انفسهم وبين الاتباع والقائد هو من لب واجباتها. اما المدير فهو يركز على الصلاحية والتزام الموظف. والهيكل الاداري الرسمي هو مصدر القوة والسلطة. كما وان الصلاحية رسمية وقانونية وتوصيف العمل هو لب السلوك الاداري.

بواسطة: عبد السلام مدني

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن الرواد