السمات القيادية ما بين النمو والاضمحلال

القيادة أو القيادية من السمات التي تقطع الشك باليقين عند إرتباطها باسم الشخص، فعندما نقول فلان قائد كأنما وُصف بالكمال، فالقيادة تعني الفطنة وسرعة البديهة وحسن استغلال المواقف، القيادة تعني مهارات الإقناع فإن قوة الفرد الواحد القادر على الإقناع هي من يُحدد النجاح وليس عدد التابعين، تعني القدرة على توجيه فريق العمل والتأثير على المُحيط داخل أو خارج العمل وإلى آخره من الصفات التي تنطوي تحتي مُسمى القيادة، بل وإن الشخصية القيادية تبرز ملامحها في جميع المناسبات حتى الإجتماعية وتضع لمستها الخاصة في كل مشهد.

عند تأمل الشخصيات القيادية وصفة القيادة بصورة عامة يتبادر إلى الأذهان أحد تلك الأسئلة الشائعة من نوع كيف أصبح فلان قائداً، أو كيف للفرد أن يُصبح قائداً، الإجابة على هذا السؤال ليست كلمة واحدة ولا يُمكن النظر لها من منظور واحد، كما أنها أيضاً ليست نقاط مرصودة يتبعها المرء وبعدها يُصبح قائداً.

القيادة هي شجرة تكون بذرة وتنمو وتمتد جذورها لتشمل جميع دواخل الفرد وتكبر أغصانها فتورق وتخضر وتُزهر وتعود على من حولها بالظل والثمار ويَبقى أثرها طويلاً، كما يُمكن لها أن تجف وتحتضر وتتساقط أوراقها إلى أن تموت، فمتى بذرت بذور القيادة ستنمو وتزدهر مقابل رعايتها، هناك من يجد نفسه يمتلك هذه الصفات دون أن يسعى لاكتسابها لأنها قد تكون هبة من الله أو وراثة من يدري، لكن المهم هو كيف تحافظ عليها وترعاها.

لتبدأ مشروع إعداد القائد من الأفضل أن تبدأ مع بداية عمر الشخص المعني، فالطفل ليكبر ويُصبح قائداً يجب أن يتعلم ذلك منذ نعومة أظافره مع تعلمه كيف يربط حذائه أو مع اجتهاد الأهل في تعليمه الاتكيت واللباقة وحسن التصرف، يُمكن لبذور القيادة أن تُدس بين جميع هذه البذور التي من شأنها أن تُعزز دور القيادة.

البيئة المدرسية فضاء يأسر الأطفال

في مرحلة من المراحل يلتحق الأطفال بالمدرسة وسرعان ما تُصبح المدرسة هي البيت الثاني وربما الأول من حيثُ المشاعر والانتماء بالنسبة للكثير من الأطفال، يرتبط الأطفال بسرعة مع العالم المدرسي من بيئة واصدقاء ومعلمين وفكر وكل ما يُمكن أن يتواجد في المدرسة، وتصبح المدرسة محور الحياة عند الطفل سواء ايجاباً أو سلباً، فإن كان أثرها سلبياً على الطفل يتمحور كل فكره وقوته واساليبه في سبيل البعد عن المدرسة أو الهروب منها، وإذا كان اثرها ايجابياً تتمحور جميع نقاشاته وافكاره الجديدة وتجديد افكاره القديمة حول ما يحدث في المدرسة، ما يُقدمه فيها وما يأخذه منها.

عادة ما تُنمي المدرسة أغلب المهارات التي يمتلكها الطفل وتُكون وتُشكل فكرته حول الحياة بجميع جوانبها العلمية والإجتماعية، ويعتمد ذلك على درجة وعي المُعلمين برسالة التعليم وأن الوزارة التي يتبعون لها تُسمى وزارة التربية قبل التعليم، كما يعتمد الأمر على فهم الأسرة لتكاملية الوضع، إذ لا يجب اسناد المهمة تماماً للمدرسة كما لا يُمكن لهم أن يغفلوا عن أهمية دور المدرسة إذا فالأمر تكاملي وتعاوني بين المدرسة والأسرة في تنمية وتربية الطفل تربية صحيحة قويمة لا تتعارض أُسسها في المدرسة مع أُسسها في المنزل.

المدارس ما بين الصروح العلمية والمعاقل الفنية

كل مدرسة يُمكن اعتبارها أكاديمية لإعداد القادة، ليس بطبيعة المهام التعليمية في المدرسة وإنما بطبيعة البيئة المدرسية وكيف يُمكن استغلال هذه البيئة وهذه النشاطات المدرسية لتحول الطفل من طفل عادي إلى طفل قائد.

ينظر أغلب فئات المُجتمع للمدرسة على أنها بيئة لتحصيل العلم، لا يُمكننا أن ننفي هذه الصفة عن المدرسة ولكن يُمكن أن ننسبها إلى أماكن أخرى، مثلاً يُمكن للطفل أن يدخل معهداً مُصغر ويتعلم فيه، يُمكن للطفل أن يتعلم عبر الإنترنت أو من خلال الدروس التي تُقدم في نادي الحي أو عن طريق المُدرس الذي يقوم بتعليمه في المنزل، جميع هذه الأماكن وغيرها تشترك مع المدرسة في أنها بيئة تعليمية تتفاوت جودتها من وضع إلى آخر مما يجعل المدرسة ليست مكاناً مُميزاً، وهذا ينطلق من المبدأ الخاطئ الذي يجعل المدرسة بيئة تعليمية بحتة مهما تنوعت العلوم التي يُمكن تحصيلها في المدرسة فهي يُمكن تحصيلها من مكان آخر، ولكن المدرسة من منظور آخر تتميز بإنها تُكسب الطفل فن القيادة وتُملكه أساسياته وتغرس فيه بذوره إلى جانب العديد من الفنون الأخرى.

بذور القيادة المزروعة في حقول النشاطات المدرسية

تكمن ميزة المدرسة في تعدد نشاطاتها من برامج ثقافية وإجتماعية وتدريبية وحتى تعليمية، إذا ضربنا مثالاً بطفلٍ واحد وعممناه على جميع الأطفال نجد أن الطفل بمشاركته في هذه النشاطات يُصبح قائداً، فمثلا البرامج الصباحية التي يقوم بإعدادها والإشراف عليها الأطفال بأنفسهم، فيكون أحد الأطفال مسؤولاً عن جميع الأطفال الذي يعملون معه على إعداد هذا البرنامج فبالتالي يكون على هذا الطفل أن يقودهم ويُوجههم لإعداد برنامج صباحي مُميز وخاصة إذا كانت هنالك منافسات بين الطلبة حول أي البرامج أفضل، إذا مارس الطفل هذا النشاط البسيط لمدة من الزمن سنجد أنه قد اكتسب العديد من السمات القيادية دون أن يدري حتى.

كذلك الأمر بالنسبة للجمعيات العلمية مثلاً، حيثُ يتم تقسيم الأطفال إلى مجموعات يتدارسون فيها ويُناقشون دروسهم باستمرار دون تدخل من المُعلمين وتُترك قيادة هذه المجموعات وهذه النشاطات لطفل بعينه فيجد أن عليه أن يُخطط لكيفية إدارة هذه المجموعة وقيادتها وتحصيل أفضل النقاط من بين المجموعات الأخرى وكيف يُحافظ على تواصل باقي الأطفال ضمن مجموعته بل ويكتب تقريراً حول سير المجموعة في هذه الفترة التي كان هو فيها قائداً على المجموعة.

النجاح في الحياة المدرسية لَبِنة التفوق في الحياة ككل

عندما يُعد الطفل البرامج الصباحية بطريقة مُميزة ويُشارك في تقديمها، ويقود المجموعات التعليمية في صفه ويُحسن قيادتها وإدارة مهامها تلقائياً سيُصبح في الواجهة للعديد من المشاريع الأُخرى مثل البرامج الثقافية المُشتركة بين العديد من المدارس والمعارض المحلية والولائية والدولية وأيضاً المنافسات العلمية بين المدارس، نجد أن الطفل مع مرور الوقت تزداد فرصه في ممارسة القيادة، حيثُ يُصبح ضمن اللجنة المُعدة للبرامج الثقافية المحلية بين المدراس، ويصبح مسؤولاً عن إطلاق معرض علمي أو ثقافي أو اجتماعي يدور حول محور مُعين في فترة من عمره لم يعلم فيها بوجود كُتب تتحدث عن الإدارة الاستراتيجية، يُصبح الطفل قادراً على اتخاذ القرارت في ظل العديد من الظروف ويضع الخُطط البديلة ويتعلم كيف يتعامل مع الطوارئ والأهم من ذلك كيف يُدير فريقه بحيث يُحقق النتيجة المطلوبة بأعلى كفاءة وبأقل نزاع بين أعضاء الفريق.

إذا فالنشاطات المدرسية التي يُمكن للطفل فيها أن يكون قائداً ما هي إلا صورة مُصغرة عن الحياة الواقعية التي سيتخرج من المدرسة ليعيشها، عندما يتخرج الطفل من المدرسة مُلماً بهذه النشاطات مع تفويض من المدرسة وتوجيه من الأسرة واجتهاد من شخصه سيكون قائداً بين أبناء عُمره وقائداً في حدود ادراكه وفهمه، بل وقائداً لحياته وفي هذه الفترة عندما يتعلم الطفل كيف يقود نفسه سيُصبح من السهل جداً عليه أن يقود غيره فالقائد للمجموعة بمثابة الدفة من السفينة حيثُما اتجهت الدفة سارت السفينة، فقط يكون على الطفل أن يُوسع دائرة مهاراته القيادية عندما يُكبر فلن تظل الأمور على مجرد مجموعات دراسية تنافسية وإنما تلك كانت بذور القيادة، فعندما ينمو هو وتنمو نشاطاته وتتوسع مداركه واهتماماته وأولياته تنمو بذلك روح القيادة بداخله شيئاً فشيئاً حتى يأتي يومٌ يكون فيه قائداً للأمة.

التحفيز الأُسري لِأداء النشاطات غير الصفية

لتتحق قيادية الطفل خلال مسيرته الدراسية يجب على الأسرة أن تتعامل مع المدرسة على أنها حاضنة قيادية، فيجب على المسؤول عن الطفل بالمنزل أن يُولِي أهمية بجميع نشاطات المدرسة، ولا يجب أن يُفرض على الطفل أن يدرس فقط وأن يتم تلقينه أنه يجب عليه أن يذهب إلى المدرسة ينتبه لدروسه يفهمها ويعود للمنزل يكتب واجباته ويراجع دروسه ويحصل على علامات عالية فقط وأنتهى الأمر، وذلك أن العلامات العالية ليست هي الغرض الوحيد من المدرسة، يجب على الأهل يلقوا بالاً لجميع تفاصيل الطفل في المدرسة، أن يُساعدوه في الإعداد للبرامج الثقافية والنشاطات وتعليمه بعض الأمور حول كيفية إدارة المجموعات الدراسية، وأن يُشعروه بأهمية هذه النشاطات وأهمية ما يفعله فيها، عليهم أن يُشعروه بأن هذه النشاطات والنجاح في تنفيذها بنفس أهمية الحصول على الدرجات العالية وأن لا يُشعروه بأن هذه النشاطات قد تأخذ وقته وتجعله يُهمل درسوه فقط عليه أن يُنظم وقته فيتعلم بذلك كيفية إدارة الوقت وترتيب الأولويات.

على الأهل أن يُراقبوا الطفل حتى في علاقاته مع بقية الأطفال كيف يتعامل معهم وكيف يتصرف في مختلف المواقف، فإن هنالك عشرات المواقف تحدث يومياً في المدرسة بين الأطفال من شأنها تُنمي العديد من الصفات في الطفل من القيادية إلى الحكمة وحسن التصرف والتفكير خارج الصندوق، كما أن هذه المواقف من شأنها أن تُضعف من شخصية الطفل وتشوه هويته وتجعله قليل الإعتماد على نفسه بعد عن ملَكة إتخاذ القرار، لذلك يجب سؤال الأطفال باستمرار عن ما يحدث في المدرسة والتحدث معهم عن هذه المواقف وتحليلها وتعليمهم كيفية التعامل معها مع مراعاة الحفاظ على بعض الخصوصية للطفل لكي لا يشعر بالتدخل الدائم في جميع أموره ويفقد بذلك الثقة في نفسه وفي اختياراته وأحكامه.

إذا فالمدرسة مؤسسة مُتكاملة ويجب على الأهل مُراعاة هذه التكاملية والنظر لها من جميع الزوايا المطروحة ليكون الأطفال المتخرجين من هذه المدراس على قدر من التكاملية يُسهل لهم وسائل التواصل مع العالم وفهم الطريقة التي يسير بها ومجاراته.

بواسطة: فاتن خالد إبراهيم

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن الرواد