هذا كتاب في استشراف المستقبل وقراءة آفاقه المحتملة، إذ لم يعد بالإمكان التخطيط للمستقبل بدون استشرافه، في ظل حاضر مضطرب وعنيف ومستقبل غامض ومُرعب.
يستمد هذا الكتاب ضرورته من الأزمة العالمية الحالية والحاجة إلى فهم ما يجري من تحولات وتغييرات، ويستمد مشروعيته العلمية والفكرية والمنهجية من مرجعيات ومقاربات متعددة ومتكاملة، ومن تحليل الواقع الراهن بمختلف أبعاده للكشف عن حركيته وتحولاته، ومن فكر نسقي مُركب عابر للتخصصات نؤمن أنه وحده يستطيع أن يرى الواقع المركب على حقيقته ويفهم الأزمات المركبة في شموليتها وتعدد أبعادها.
في هذا الكتاب سنقوم بتجميع شتات قصة نهايات متعددة ومتنوعة (والنهايات الواردة فيه هي للتمثيل وليست للحصر)، وتجميع شتات قصة بدايات جديدة أيضاً ...
تجميع القِطع ضروري لتكتمل عندنا الصورة الكلية للنهاية والبداية، وندرك التغييرات والتحولات الجارية في الحاضر والقادمة في المستقبل. من يفهم "الموت" و "الحياة" وينجح في رصد "دواب الأرض" الدالة عليهما يُجَنّبِ نفسه البقاء في العذاب المهين.
في هذا الكتاب وقفة بل وقفات مع ظهور وتمدد قيم ومؤسسات جديدة وثورية تعلن عن نهاية القيم والمؤسسات التقليدية التي فتحنا أعيننا عليها وألفناها لحد الاعتقاد بأنها قيم ومؤسسات طبيعية وأبدية .
يبحث هذا الكتاب في خطاب النهايات لفهم وتفسير علاقة الجديد بالقديم، وطوفان التحولات التي يعيشها العالم، وما تتطلبه البدايات الجديدة من فهم للحياة باعتبارها ظاهرة مُتجدّدة، وللصراع باعتباره قانونا اجتماعيا كونيا.
ويجب ألا يفهم من نقد المؤسسات والقيم التقليدية أو الحديث عن نهايتها أنه دعوة للتخلي عنها، فنقد المدرسة مثلا والحديث عن نهايتها يجب ألا يفهم منه أن المطلوب من الأسر هو أن تنهض بمسؤولية تعليم أبنائها، فهذا من سابع المستحيلات في ظل الثورة العلمية والانفجار المعرفي وظروف عمل الوالدين. ومحدودية نتائج تجارب "التعليم المنزلي" دليل على خطورة المغامرة بمستقبل الأبناء بركوب خيارات غير مدروسة وغير مجربة وغير واقعية.
إن هدفنا من إطالة الوقوف عند النهايات (نهاية المدرسة، ونهاية الأسرة، ونهاية الشهادة، ونهاية السوق...) وتحليلها بعمق هو تعزيز الوعي بطبيعة التحولات الكبرى التي تعرفها اللحظة التاريخية التي نمر بها، مع الوعي أيضا بالبدايات والفرص التي تولد منها، لأن كل نهاية هي بداية جديدة. ومع هذا الوعي المزدوج يفترض أن تتضح الرؤية والمسؤوليات والأدوار الجديدة.